أي دولة ملزمة بحماية مصالح مواطنيها من العواقب الناجمة عن أي أمر يحدث على أراضيها. ويقتضي دوماً أن تسعى الدولة، بكل ما لديها، لتجنّب تعريض الأرواح للخطر، وإلى تقديم المعونة اللازمة التي يمكن ان يحتاج إليها الأشخاص المنكوبون، وتقديم الحماية والمساعدة داخل أراضيها أو في أراض تخضع لولايتها أو لسيطرتها. كما تنعقد مسؤولية الدولة اللبنانية في وجوب التعويض عن المواطنين المتضررين من أي أمر ناتج عن تقصيرها او اهمالها او خطئها. فالدولة مسؤولة عن أساس الخطأ بداية. إذ إنها لم تقم باللازم لردع العدو عن القيام بالاعتداء بصفتها السلطة التي يفترض أن تحمي مواطنيها، كما قصرت واهملت في القيام بواجباتها بحماية المواطنين كتأمين ملاجئ لهم. وهنا تثبت العلاقة السببية بين الخطأ والضرر او الاهمال/التقصير والضرر. فالدولة الراعية مسؤولة عن تقديم الحماية للمواطن وصيانة حقوقه.
وقد كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن تعويض الدولة على المتضررين من العدوان الإسرائيلي على لبنان منذ تشرين الثاني الماضي، وبالتالي، لا بد من تحديد الاطار القانوني والتذكير بواجبات الدولة وحقوق الناس.

حين يتعرض مواطن للاعتداء من قبل العدو، لا يكون ذلك بصفته الشخصية، بل بوصفه مقيماً على الأراضي التي تتعرض للاعتداء هي ومن عليها. لذلك، يتعيّن على الدولة تأمين الحماية ومنع حدوث الضّرر، وإلا يتوجب عليها جبر الضرر الذي قد يتخذ شكل الرد أو إعادة الحال الى ما كانت عليه أو التعويض أو الترضية ببديل.
ومن جهة أخرى وأساسية، فان الدولة ملزمة بدفع الضرر عن المتضرر اللبناني أو المقيم على الأراضي اللبنانية، بغضّ النظر عن مسؤولية الجهة التي سببت هذا الضرر، ويتعيّن عليها جبر الضرر أو التخطيط لجبره أو، على سبيل المثال، إصدار قانون يحدد أسس جبر هذا الضرر، وإلا تنعقد مسؤوليّتها التقصيرية.
واجب دستوري
تنص الفقرة «ز» من مقدمة الدستور على أن الإنماء المتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام، وهو أمر تتم ترجمته عمليا بتأمين السلامة والحماية للمناطق كافة، وحين يتعذر ذلك فلا بد من جبر ضرر المتضررين.
والسند الدستوري الذي يلزم الحكومة أو الدولة ككل بالتعويض عن المتضررين جراء الاعتداءات الاسرائيلية هو، بكل بساطة، التفسير المنطقي للمادة السابعة من الدستور التي تنص على ان كل اللبنانيين سواء لدى القانون، ويتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية، ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم، لذا لا يعقل أن يتحمل ابن الجنوب أوزار الحرب من دون أن يتضامن معه بقية المواطنين، والقول بخلاف ذلك امر لا يستقيم قانونياً ولا دستورياً. لذلك فإن المادة السابعة حين تناولت تحمل الفرائض والواجبات بين جميع اللبنانيين على حد سواء، بما يعني حتما كل منطقة متضررة من الأعمال الحربية أو جراء كارثة طبيعية أو أي عمل ما يجري فيها ويشكّل ضرراً على الصحة والسلامة أو على الأملاك.
العقد الاجتماعي الذي أنشأ فكرة الدولة هو نفسه العقد الذي تطور مع الزمن ليصبح مسؤولية المجتمع بالتكافل والتضامن بين جميع أبنائه بحماية جميع أبناء هذا المجتمع والتعويض عليهم حين لا يكون هناك تعويض من جهة أخرى.
والا فما هي أهمية الصلاحية الاقليمية والسلطة التي تتمتع بها الدولة على إقليمها؟ إن كانت الصلاحية هي بحق التصدي والمباشرة للأعمال على هذا الاقليم، فان الاولى أن تكون واجبات الدولة التصدي فعليا للأعمال على هذا الإقليم بحيث يصبح حق الدولة بالتصدي هو واجبها بذلك في الوقت نفسه لحماية شعبها.
انطلاقا من هذا الواجب، دأبت الدولة على اتخاذ القرارات بالتعويض على المواطنين جراء كل حادثة، وحدد المرسوم رقم 11150 الصادر في 16/11/1962 شروط إعطاء المساعدات المالية للمتضررين بحوادث طارئة، واعتبر أن الحادث الطارئ هو كل حادث مفاجئ يصيب فرداً أو عائلة في الجسم أو المال، ويتبين بنتيجة التحقيق أن المصاب غير قادر على تحمل نتائجه المباشرة.
وظيفة مجلس الجنوب
أنشىء مجلس خاص يدعى «مجلس الجنوب» بموجب المرسوم رقم 14649 تاريخ 12/6/1970 وتعديلاته، وغايته القيام بجميع الأعمال التي تؤول الى تلبية حاجات منطقة الجنوب وتوفير أسباب السلامة والطمأنينة لها، وهو يتمتع بأوسع الصلاحيات اللازمة للقيام بمهامه ويرتبط برئيس مجلس الوزراء
وظيفة الهيئة العليا للإغاثة
القرار رقم 35/1 تاريخ 17/12/1976 المتعلق بتأليف هيئة عليا للاغاثة وتحديد مهامها وصلاحياتها، أناط بالهيئة قبول الهبات المقدمة الى الدولة لاغاثة المتضررين واستلامها وتأمين نقلها ووضعها في المستودعات وتوزيعها وتأمين الاموال اللازمة لتأمين العمل ووضع الانظمة اللازمة لتنفيذ مهامها. وفي عام 1997 أضيفت المادة 3 التي تنص على مهام الإغاثة بشكل خاص إضافة الى الاعمال الادارية والمالية واللوجستية ذات الصلة، والاستعانة بمن تشاء من موظفي الادارات والمؤسسات العامة لهذه الغاية.
تتولى الهيئة المهام التالية:
• قبول الهبات (مواد غذائية وحياتية) المقدمة الى الدولة اللبنانية لإغاثة المتضررين، وما يحيله اليها مجلس الوزراء من مواد اخرى.
• قبول الهبات على اختلاف انواعها المقدمة الى الدولة اللبنانية من الدول والهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية والجهات المحلية والاشخاص المعنويين والطبيعيين لاغاثة المتضررين.
• توزيع الهبات.
• الاحصاءات والمعلومات.
• تأمين الاموال اللازمة لتأمين العمل.
• ادارة شؤون الكوارث على مختلف انواعها.
• جميع الامور التي لها طابع الاغاثة والمحالة عليها من قبل مجلس الوزراء.
• تكلف الهيئة العليا للاغاثة لهذه الغاية الوزارة المختصة او الامانة العامة للهيئة القيام بالاعمال التنفيذية ويمكن في كل حالة الاستعانة بمختلف الادارات والمؤسسات العامة والخاصة من اجل تنفيذ مهام الاغاثة الشاملة.
بموجب القرار رقم 35 المصدق بمرسوم اشتراعي (المرسوم الاشتراعي رقم 22 تاريخ 18/3/1977)، تعتبر الهيئة العليا للاغاثة الجهة الرسمية الوحيدة المعتمدة لأعمال الإغاثة
وظيفة وزارة المهجرين والصندوق المركزي للمهجرين
سددت الدولة عبر وزارة المهجرين وصندوق المهجرين مليارات الليرات كتعويضات لاحقة لمرحلة الحرب الأهلية. وكانت التعويضات تُقدم لمجلس الجنوب وصندوق المهجرين بطريق متوازية. فمثلاً، عام 2001، تم تخصيص سندات بمبلغ 500 مليون دولار يخصص 300 مليون منها لمتابعة تنفيذ برامج عودة المهجرين، و200 مليون لمجلس الجنوب لتمكينه من مواجهة الأوضاع بالنسبة الى مهجري الجنوب والبقاع الغربي.
التعويضات
2001 : تعويضات او معاشات تقاعد للاسرى المحررين من السجون الاسرائيلية
أقر مجلس النواب، عام 2001، القانون رقم 364 الذي يعطى الاسير المحرر الذي قضى في الاسر لدى العدو الاسرائيلي او الميليشيات المتعاملة معه تعويضا مقطوعا تختلف قيمته بحسب فترة الأسر. وكان يحق للاسير الذي قضى في الاسر أكثر من ثلاث سنوات ان يختار بين تعويض مقطوع عن سنوات الأسر أو معاش تقاعدي مقداره الحد الأدنى الرسمي للأجور المعمول به في القطاع العام، يضاف إليه عن كل سنة في الأسر تزيد عن الثلاث سنوات نصف قيمة الدرجة التي تعطى لعسكري درجة أولى.
2002 : تعويضات لسائقي السيارات العمومية على المازوت
بموجب القانون رقم 341 تاريخ 6/8/2001 والمتعلق بالتخفيف من تلوث الهواء الناتج عن قطاع النقل وتشجيع الاتجاه إلى استعمال الوقود الأقل تلوثاً، لا سيما المادة الثانية منه، تم منح حوافز لتجديد أسطول السيارات العمومية وإعطاء تعويضات لأصحاب سيارات الشحن ولأصحاب سيارات الأوتوبيس الصغيرة
واشترت وزارة المالية، كتعويض، محركات السيارات السياحية العمومية المستعملة العاملة على المازوت والتي جرى استبدالها بمحركات عاملة على البنزين الخالي من الرصاص مقابل بدل مقطوع مقداره مليون ليرة لكل محرك.
وأُعطي كل مالك سيارة من سيارات الاوتوبيس الصغيرة (الميني باص) العمومية والخصوصية العاملة على المازوت تعويضاً مقطوعاً عند استبدال سيارته العاملة على المازوت أو محركها بسيارة أو بمحرك عامل على البنزين الخالي من الرصاص.
2021 : تعويضات كورونا
إثر انتشار جائحة فيروس كورونا وازاء الضغط على الجهاز البشري العامل في القطاعين الصحي والاستشفائي وسقوط عدد من العاملين في هذين القطاعين من أطباء و ممرضين وسائر العاملين ودعماً لصمودهم وحماية لأصحاب الحقوق من عائلات الأشخاص الذين استشهدوا أو قد يستشهدون في معرض تصدّيهم لهذا الوباء الخطير أقر مجلس النواب، عام 2021 ، قانون إعطاء معاشات تقاعد وتعويضات وتقديمات إلى عائلات العاملين في القطاعين الصحي والاستشفائي (قانون رقم 234 - صادر بتاريخ 16/7/2021) الذين استشهدوا أو قد يستشهدون نتيجة إصابتهم بفيروس كورونا واعتبارهم بمثابة شهداء في الجيش اللبناني، تسري عليهم الأحكام عينها المتعلقة بالتقديمات التي تسري على عائلات شهداء الجيش.
2020 تعويضات تفجير مرفأ بيروت
أثر انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 وما نتج عنه من استشهاد وإصابة عدد كبير من المدنيين والعسكريين وأفراد الدفاع المدني، منحت تعويضات للمصابين أو لعائلات الضحايا وعن الأضرار والممتلكات . وبعد أربعة أشهر من الانفجار ، أقر مجلس النواب، القانون رقم 196 لإعطاء تعويضات ومعاشات لذوي الضحايا وتمكين الذين أصيبوا بإعاقة منهم من الاستفادة من تقديمات صحية، ويعتبر بموجبه الأشخاص المدنيون الذين استشهدوا شهداء في الجيش.
كما يعتبر الأشخاص الذين أصيبوا بإعاقة كاملة أو جزئية مشمولين مدى الحياة بالتقديمات الصحية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ومن المعينات والحقوق والإعفاءات التي يستفيد منها أصحاب الاحتياجات الإضافية والتي أقّرت بموجب القانون رقم 220 تاريخ 29/5/2000 (القانون المتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الإضافية).
كما أُقر القانون رقم 194 الذي يرمي الى حماية المناطق المتضررة بالانفجار ودعم إعادة إعمارها، حيث تم وفق القانون تأمين تمويل التعويضات من الهبات والمساعدات الدولية ومن اعتماد إضافي يمنح للحكومة بقيمة 1500 مليار ليرة لبنانية، يتم صرفه من قبل اللجنة المشار إليها في المادة الثانية من القانون، وبالأولوية للفئات الأكثر حاجة بين مستحقي التعويض، لا سيما الذين لم ينالوا أي مساعدة من أي جهة كانت، وكانت تُمنح المبالغ كمساهمة مالية من الدولة اللبنانية لإعادة ترميم وصيانة وتجهيز هذه المؤسسات، المشمولة في جدول المسح الرسمي، وتدفع التعويضات، بحسب تخمين الأضرار المجرى من قبل الجيش اللبناني و/أو الهيئة العليا للإغاثة، دون حاجة لأي معاملة أخرى سوى التأكد من المباشرة بأعمال الترميم أو إعادة البناء ضمن مهلة شهر من تاريخ تلقّي المساعدة.
2024 - تعديل قيمة المساعدات المقدمة من مجلس الجنوب عن بعض الأضرار المادية والجسدية من جراء الاعتداءات الإسرائيلية
قرر مجلس الوزراء بتاريخ 29/11/2023 الموافقة على إقتراح مجلس الجنوب المتعلق بتعديل قيمة المساعدات المقدمة من هذا المجلس عن بعض الأضرار المادية والجسدية من جراء الاعتداءات الإسرائيلية .
وتتضمن المساعدات تعويضات عن أضرار الوحدات السكنية والجرحى والشهداء والمنح المدرسية لأبناء الشهداء وفقاً للجدول المرفق بهذا القرار الذي يحمل الرقم 20/2023. وتتراوح التعويضات الجديدة بين 900 مليون ليرة و3.6 مليار كحدّ أقصى، ومنح التعليم لأولاد الشهداء بين 18 مليون ليرة و90 مليوناً.
وكان مجلس الجنوب بموجب كتابه رقم 570 تاریخ27/11/2023، اقترح هذه التعويضات على رئيس مجلس الوزراء.
