Mai
أيار
13
2025
13
- أيار
- 2025
قصور العدل
في الواجهة
13-04-2024
 
العدل والإنصاف مفقودان في مرسوم الحد الأدنى للأجور

الحكومة ابتلعت غلاء المعيشة 

  صادق علوية  

قبل عام تماماً، نشرت «القوس» مقالاً بعنوان «مرسوم الحدّ الأدنى للأجور يخلق فجوة بين الرواتب». إذ سبق للحكومة نفسها أن تسبّبت في خلق فوضى بين الرواتب. فقد صدر عن مجلس الوزراء المرسوم الرقم 11226/2023 الذي نص على تعيين الحد الأدنى للأجور بتسعة ملايين ليرة، وعلى إقرار زيادة غلاء معيشة بقيمة أربعة ملايين وخمسمئة ألف ليرة، ثم ما لبثت أن صححته الحكومة لاحقاً بموجب المرسوم 11343 لتصبح الزيادة 6.4 ملايين ليرة. اليوم معضلة من نوع مختلف، لكن محورها سوء فهم الحكومة والوزراء لأصول تعيين الحد الأدنى للأجور.

منذ عام 1994، لم يصدر مرسوم بتعيين الحد الأدنى للأجور إلا وتضمّن زيادة لغلاء المعيشة، وقد يحدث أحياناً أن تقرر الحكومة منح العاملين زيادة غلاء معيشة من دون تعديل الحد الأدنى للأجور. لكن، في الرابع من نيسان 2024 أقرت الحكومة الحد الأدنى للأجور من دون إقرار زيادة غلاء معيشة، ما ستترتب عليه عواقب إدارية ومالية يجهلها مجلس الوزراء لجهله بأصول تعيين الحد الأدنى للأجور وغلاء المعيشة. علماً أن القرار مخالف لاتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن تحديد الحد الأدنى للأجور التي أبرمها لبنان عام 1977.
ومن يدقّق في حقائق الأمور والتطبيق العملي القانوني لمراسيم الحد الأدنى للأجور من دون غلاء معيشة، سيكتشف أن المرسوم الجديد لن يؤدي إلى أية زيادة على راتب أي عامل على الأراضي اللبنانية لأسباب عدة، أهمها أن هذا الحد الأدنى هو حدّ وهمي لا يستند إلى أي معطيات علمية.

 مع زيادة غلاء معيشة أو من دونها؟

في جلسته المنعقدة في 4/4/2024، ناقش مجلس الوزراء مشروع مرسوم يرمي إلى «تعيين الحد الأدنى الرسمي لأجور المستخدمين والعمال الخاضعين لقانون العمل ونسبة غلاء المعيشة»، كما أن كتاب وزارة العمل الرقم/489/3 تاريخ 2/4/2024 ومرفقاته يتضمن طلب الموافقة على مشروع مرسوم يرمي إلى «تعيين الحد الأدنى الرسمي لأجور المستخدمين والعمال الخاضعين لقانون العمل ونسبة غلاء المعيشة».
وفي 19/3/2024 اجتمعت لجنة المؤشر التي تضم ممثلين عن الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام والدولة اللبنانية بناءً على توجيهات رئيس مجلس الوزراء وخلصت إلى وجوب دعم العمال والأجراء الخاضعين لقانون العمل وذلك بزيادة غلاء معيشة ورفع الحد الأدنى للأجر الشهري.
وفي 26/3/2024 وافق مجلس شورى الدولة على مشروع المرسوم المرفق بكتاب وزارة العمل والمتعلق بإعطاء زيادة غلاء معيشة للقطاع الخاص بقيمة تسعة ملايين ليرة، وتعديل الحد الأدنى للأجر الشهري إلى 18 مليون ليرة، بموجب رأي مجلس شورى الدولة الرقم 112/2023-2024 تاريخ 26/3/2024.
بعدما عرضت وزارة العمل مشروع المرسوم على مجلس الوزراء، قرر المجلس الموافقة على تعيين الحد الأدنى الرسمي لأجور المستخدمين والعمال الخاضعين لقانون العمل ونسبة غلاء المعيشة اعتباراً من 1/4/2024، وذلك على الشكل الآتي: يُعين الحد الأدنى الرسمي للأجر الشهري بمبلغ 18 مليون ليرة والحد الأدنى الرسمي للأجر بـ820 ألف ليرة. أي إن مجلس الوزراء هضم زيادة غلاء المعيشة للقطاع الخاص بقيمة تسعة ملايين ليرة.

 ماذا يعني إقرار حد أدنى للأجر من دون منح الأجراء زيادة غلاء معيشة؟

قرّرت الحكومة محاباة أرباب العمل. فالمادة 44 من قانون العمل حول تحديد الحد الأدنى للأجر تنص على أنه يجب أن يكون الحد الأدنى من الأجر كافياً ليسد حاجات الأجير الضرورية وحاجات عائلته، على أن يؤخذ في الحسبان نوع العمل، ويجب أن لا يقل عن الحد الأدنى الرسمي، ما يعني أن أجيراً يبلغ راتبه 12 مليون ليرة سيصبح 18 مليوناً وزميله براتب 18 مليوناً لن يأخذ أية زيادة مطلقاً.
ولكن بما أن جميع أصحاب العمل لا يصرحون عن الرواتب الحقيقية، أصدر المدير العام للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي في 17 كانون الثاني الماضي التعميم الرقم 181 الذي يطلب بموجبه من جميع المديريات والمكاتب الإقليمية والمحلية إحالة المؤسسات التي تتقدم بتصاريح أجور أو تصاريح استخدام أو ترك تتضمن أجوراً أقل من 20 مليون ليرة شهرياً إلى مديرية التفتيش والمراقبة. وخشية افتضاح أمر أصحاب العمل، ولتجنّب إحالة مؤسساتهم إلى التفتيش عمدوا إلى التصريح عن أجرائهم بعشرين مليوناً شهرياً، وهو أقل مما يدفعونه فعليا لأجرائهم، ما يعني أن أجورهم تفوق الحد الأدنى الرسمي الجديد، لذلك لن يتقاضى هؤلاء أي مبلغ لعدم إقرار بند يمنحهم أي زيادة لغلاء المعيشة.
أما المؤسسات العامة والمصالح المستقلة التي تعتمد سلاسل رتب ورواتب فستصبح رواتب جميع العاملين فيها 18 مليون ليرة، سيّما أن الزيادات التي سبق أن منحها مجلس الوزراء للعاملين في القطاع العام لا تدخل في أساس الراتب، وإنما تعدّ زيادات مؤقتة ولا تدخل ضمن الأجر الذي يتخذ أساساً لحساب تعويض نهاية الخدمة. وبالتالي سيصبح أساس راتب المدير العام فيها الذي ينتمي إلى الفئة الأولى: 18 مليون ليرة وراتب الحارس من الفئة الخامسة أيضاً 18 مليون ليرة، في سابقة لم يعرفها القطاع الخاص والعام منذ نشأة الجمهورية.

 

 

 لماذا يعتبر هذا القرار مخالفاً لاتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن تحديد الحد الأدنى للأجور التي أبرمها لبنان بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 70 /1977؟
تنص المادة 2 من الاتفاقية على أنه تكون للأجور الدنيا قوة القانون ولا يجوز تخفيضها، ويترتب على عدم تطبيقها تعرض الشخص أو الاشخاص المعنيين للعقوبات الجنائية أو غير الجنائية المناسبة. وتشدد الفقرة الثانية من المادة نفسها على أنه تحترم تماما حرية المفاوضة الجماعية، ما يعني انه لا يجوز للحكومة أن تقر خلاف ما اتّفق عليه في لجنة المؤشر التي توصلت الى اعتماد زيادة غلاء المعيشة. وبالتالي فإن إقرار أمر بخلاف هذا الاتفاق مخالف لاتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن تحديد الحد الأدنى للأجور التي أبرمها لبنان بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 70/1977.

كذلك تنص المادة 3 من الاتفاقية على أن تشمل العناصر التى تؤخذ في الاعتبار لتحديد المستويات الدنيا للأجور، بقدر الامكان وبما يتفق مع الممارسات والظروف الوطنية، احتياجات العمال وعائلاتهم مع مراعاة المستوى العام للأجور في البلد وتكاليف المعيشة واعانات الضمان الاجتماعي ومستويات المعيشة النسبية للمجموعات الاجتماعية الاخرى اضافة الى العوامل الاقتصادية ومتطلبات التنمية الاقتصادية ومستويات الانتاجية والرغبة في بلوغ مستوى مرتفع من العمالة والحفاظ عليه.

من جهة أخرى، تنص المادة 6 من قانون تعيين الحد الادنى لاجور المستخدمين والعمال ومعدل غلاء المعيشة (القانون رقم 36 بتاريخ 16/05/1967)، على أنه للحكومة ان تحدد بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، عند الاقتضاء وكلما دعت الحاجة، الحد الادنى الرسمي للاجور ونسبة غلاء المعيشة وكيفية تطبيقها بناء على الدراسات وجداول تقلبات اسعار كلفة المعيشة، مما يعني ان إقرار غلاء المعيشة أمر إلزامي يسبق تحديد الحد الأدنى للأجور.

كيف كان يتم احتساب الحدّ الأدنى للاجور الجديد أصولا وقانونا مع مبلغ زيادة غلاء المعيشة؟
ما هي الأصول القانونية لمراسيم الحد الأدنى للأجور وزيادات غلاء المعيشة؟

بالعودة الى السنوات بين 1994 و2024 يتبين أن الحد الأدنى للأجور الجديد ينتج عن عملية حسابية، وهي أن الحد الأدنى الجديد يساوي الحد الأدنى القديم تضاف اليه زيادة غلاء المعيشة (عن الشطر الأول).

عام 1992، كان الحد الأدنى للأجور يبلغ 118 ألف ليرة. وأضيفت في العام 1994 الى الاجور التي يتقاضاها الاجراء بتاريخ 31/12/1993 زيادة غلاء معيشة  قدرها سبعون بالمئة على الجزء الاول من الراتب حتى مبلغ مائة وخمسين الف ليرة، وتضمّن المرسوم تحديد الحد الأدنى الجديد بـ 200 ألف ليرة.

مثال آخر من عام 1995، عندما صدر المرسوم الذي أضاف الى الاجور التي يتقاضاها الاجراء بتاريخ 31/12/1994 زيادة غلاء معيشة قدرها 20%  من الاجر شرط ان لا تقل الزيادة عن خمسين الف ليرة للاجراء. وبما أن الحد الأدنى القديم كان 200 ألف والزيادة هي 20% منها على أن لا تقل عن 50 ألفاً، أصبح الحدّ الأدنى الجديد 250 ألف ليرة، وهو فعلا ما صدر بموجب المرسوم 6263. و في عام 1996 حصل الأمر نفسه وصولا الى مرسوم العام 2008 الذي أضاف زيادة غلاء معيشة بقيمة 200 ألف ليرة الى الحد الأدنى السابق الذي كان محدداً بقيمة 300 ألف، ليصبح الحد الدنى الجديد 500 ألف. وصحّح مرسوم العام 2012 شوائب العام 2008 وزاد قيمة غلاء العيشة على مرسوم سنة 1996 ليصبح 675 ألف ليرة وهو ناتج عن 300 ألف كحد أدنى للأجور و 375 ألفاً كغلاء معيشة.

عام 2022، منحت الحكومة زيادات لغلاء المعيشة من دون تعديل الحد الأدنى الرسمي للأجور بشكل صريح. لكنها حين أصدرت مرسم الحد الأدنى للاجور عام 2023، ضمّنته مجموع زيادات غلاء المعيشة السابقة وصولا الى الحد الأدنى الذي أصبح 9 ملايين ليرة، وهو ناتج عن العملية الحسابية التالية: الحد الأدنى للاجور في العام 2023 المحدد بتسعة ملايين هو الناتج عن احتساب زيادات غلاء المعيشة الصادرة منذ 2012 لغاية 2023 يضاف اليها الحد الادنى للاجور القديم الذي كان محددا بـ 675 ألف ليرة.

ويبين الجدول التالي احتساب الحد الأدنى للأجور وضمنه احتساب زيادات غلاء المعيشة الصادرة منذ 2012 لغاية 2023 يضاف اليها الحد الادنى للاجور القديم الذي كان محددا بـ675 ألف ليرة:

ولكن، هل تعلم الحكومة ووزير العمل من اين أتى رقم 6 ملايين و400 ألف ليرة كزيادة غلاء معيشة الذي ورد في مرسوم العام 2023؟

إنه الرقم الناتج عن الفرق الناتج بين تسعة ملايين (الحد الأدنى الجديد) محسومة منه الزيادات السابقة والحد الأدنى السابق لتصبح 9 ملايين محسوما منها ما يلي: 675 ألف ليرة (حد أدنى قديم) + 1325 (زيادة رقم 1 سنة 2022) + 600 (زيادة رقم 2 سنة 2022). وهكذا بقي الحد الأدنى الجديد يتحدد باحتساب زيادات غلاء المعيشة ضمنه ليصل الى الرقم الجديد، ما عدا جلسة الرابع من نيسان 2024 .

 

هيكلية وزارة العمل، تنظيم لا يضم مديرية متخصّصة بشؤون الأجور:
المعضلة الأكبر في هيكلية وزارة العمل التي لا تتضمن أية مديرية أو مصلحة أو دائرة متخصصة حصرا بهذا الأمر. إذ تتألف الادارة المركزية لوزارة العمل من: مصلحة العمل والعلاقات المهنية ومصلحة القوى العاملة والشؤون الاجتماعية إضافة الى دائرة المشاريع والبرامج والديوان الذي يلحق به:
أ - قسم الاحصاء.
ب - قسم الموظفين والمحاسبة.
ج - قسم العلاقات الخارجية.
د - قسم الشؤون القانونية والوصاية.
ولكن لم يلتفت أي من الوزراء الى ضرورة تعديلها وتخصيص مديرية بشؤون الأجور وغلاء المعيشة والحد الأدنى للأجور والدراسات في هذا الشأن .
 فهل يصحح مجلس الوزراء الامر ويصدر المرسوم متضمنا زيادة غلاء معيشة؟