عند اكتشاف خمس جثث داخل أحد المنازل في كفرشيما، انتشرت الشائعات كالنار في الهشيم، وحفلت وسائل الإعلام بعناوين مثيرة كـ«قتلة متسلسلون جدد في لبنان»، «قتل وأفعال غريبة من شابين في لبنان»، «قتل أسرته ودفنهم في منزل العائلة»، «منزل عائلة في كفرشيما تملؤه الأسرار» وغيرها الكثير من العناوين «الدموية».
بسرعة البرق، صنف البعض الرجلين كقاتلين متسلسلين أو مرضى نفسيين، وأطلقوا أحكاماً بلا أي دليل. وتسابقت بعض وسائل الإعلام إلى مكان الحادث، وبدلاً من التعامل معه كمسرح جريمة يحتاج إلى حماية الأدلة، حاولت الوصول إلى أكبر عدد من المتابعين. ونحن في «القوس»، نؤكد دائماً على ضرورة عدم تجاوز التحقيق والانتظار للحصول على المعلومات المؤكدة من السلطات قبل الوقوع في فخ الشائعات والتضليل
-66c8d1d759158.jpg)
في هذا السياق، صدر عن المديريّة العامّة لقوى الأمن الدّاخلي ـ شعبة العلاقات العامّة البلاغ التّالي:
«بتاريخ 12/08/2024، وبناء لشكوى من مواطنين، داهمت دورية من مخابرات الجيش منزلًا في بلدة كفرشيما - حارة الدير لتوقيف المدعوين (خ. ف.)، و(ال. ف.). فلم يعثر عليهما، وتم ضبط 6 بنادق صيد، وصندوق من الخرطوش. وأثناء محاولة البحث عنهما، تم العثور على 5 جثث متحلّلة داخل غرفة في الحديقة خلف المنزل.
في اليوم التالي، أوقفت فصيلة الحدث في وحدة الدرك الإقليمي في المنزل المدعو: خ. ف. (مواليد عام 1972، لبناني)، وأحيل الملف إلى شعبة المعلومات للتوسّع في التحقيق. واعترف الموقوف بأن الغرفة المذكورة هي مدفن للعائلة، وجميع سكان المحلّة يعلمون بوجودها، وأن في داخلها جثث والده (ح. ف.) الذي توفي عام 2005، وأشقائه الأربعة (ج. ف.) الذي توفي عام 1986، و(خ. ف.) توفي عام 2000، و(ب. ف.) عام 2023، و(ال. ف.) توفي في 27/07/2024. وأكد أنه هو من قام بدفن شقيقه (ال. ف.) ولم يخبر أحدًا عن الأمر، ولم يُحضر رجل دين للصلاة عليه بناء على وصية شقيقه المتوفّى. وتعهّد بنقل الجثث من داخل الغرفة إلى مدفن مرخّص».
والجدير بالذكر أن تقرير الطبيب الشرعي أفاد أنّ (ال. ف.) توفّي في التاريخ المذكور أعلاه بطريقة طبيعيّة. كما تمّ أخذ عيّنات من المدعو (خ. ف.) ووالدته التي لا تزال على قيد الحياة، ومن الجثث التي عُثر عليها للتأكّد من هويّة أصحابها.
التعامل مع الجثث المكتشفة في المنازل
عند اكتشاف جثث داخل منزل، فإن التعامل مع المشهد يتطلب دقة شديدة وفهماً عميقاً لإجراءات التحليل الجنائي. وهناك خطوات محددة من المفترض اتباعها لضمان سلامة الأدلة والحصول على نتائج دقيقة في التحقيق:
• أولويات السلامة وحماية مسرح الجريمة
عند الوصول إلى مكان الحادث، تكون الخطوة الأولى تأمين المنطقة المحيطة بالجثث. ويفترض منع دخول أي شخص غير مصرّح له، لحماية الأدلة من العبث أو التلوث. يتم وضع علامات وتحديد حدود مسرح الجريمة لضمان عدم تغيير الوضع الطبيعي للأدلة.
• تقييم المشهد وجمع المعلومات الأولية
يبدأ المحققون بتوثيق المشهد من خلال التصوير والفيديو، ويتم التقاط صور تفصيلية لجميع الجوانب المتعلقة بالجثث والمحيط. ويشمل ذلك توثيق موضع الجثث، الوضعية، وأي أدلة محتملة حول أسباب الوفاة. ومن الضروري تسجيل أي ملاحظات حول حالة المنزل أو أي علامات قد تشير إلى حدوث صراع أو مقاومة.
• جمع الأدلة البيولوجية والفيزيائية
تتم عملية جمع الأدلة البيولوجية مثل عينات الدم والأنسجة، والتي قد تكون ضرورية لتحديد أسباب الوفاة أو فحص وجود مواد سامة.
كما يتم جمع الأدلة الفيزيائية مثل الأسلحة أو الأدوات التي قد تكون لها علاقة بالحادث.
كل هذه الأدلة يفترض أن تُحفظ بعناية لضمان عدم التلوث أو فقدانها.
• نقل الجثث إلى المختبر
بمجرد جمع الأدلة، يتم نقل الجثث إلى المختبر الجنائي لإجراء الفحوصات اللازمة. يتم إجراء تشريح الجثة لتحديد أسباب الوفاة، والتأكد من عدم وجود علامات اعتداء أو إصابات غير عادية. كما يتم فحص الجثث للكشف عن أي سموم أو مواد غريبة قد تكون أدت إلى الوفاة.
• تحليل الأدلة وإعداد التقارير
بعد إجراء الفحوصات والتشريح، يتم تحليل الأدلة وتدوين النتائج في تقارير مفصلة. هذه التقارير تلعب دوراً حاسماً في تحديد ما إذا كان هناك دليل على ارتكاب جريمة أو إذا كانت الوفاة ناتجة عن أسباب طبيعية. تُستخدم هذه التقارير كجزء من الأدلة في المحكمة لمساعدة القضاة والمحامين في تقديم قضيتهم.
كيف تحدد الظروف البيئية سرعة تحلل الجثث؟
تتأثر عملية تحلل الجثث التي تُكتشف في غرفة داخل الفناء الخلفي للمنزل بعدة عوامل بيئية. أولاً، يلعب مستوى التهوئة دوراً مهماً؛ فغرفة مغلقة مع تهوئة محدودة قد تؤدي إلى تراكم الرطوبة، مما يعزز من نشاط البكتيريا والفطريات ويسرع عملية التحلل. ثانياً، تؤثر درجة الحرارة الداخلية على سرعة التحلل؛ حيث تساهم درجات الحرارة المرتفعة في تسريع التفكك، بينما درجات الحرارة المنخفضة تبطئه. إلى ذلك، يمكن أن تؤثر الرطوبة والمواد العضوية المحيطة بالجثة في معدل التحلل؛ فالرطوبة العالية داخل الغرفة تعزز نمو الكائنات الدقيقة، بينما الظروف الجافة قد تؤدي إلى تجفيف الجثة وتأخير التحلل. أخيراً، يمكن أن تؤثر النظافة العامة للغرفة والمحتويات الموجودة فيها، مثل الأثاث والملابس، على كيفية تفاعل الجثة مع البيئة المحيطة، مما يؤدي إلى اختلافات في معدل التحلل.
مخاطر دفن الجثث في الغرف المغلقة
دفن جثة في غرفة يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من التأثيرات الصحية الخطيرة. مع بدء عملية التحلل، تطلق الجثة غازات مثل الميثان والكبريتيد، قد تتسبب في تلوث الهواء داخل الغرفة، وتؤدي إلى مشاكل تنفسية حادة. الرطوبة الناتجة عن تحلل الأنسجة توفر بيئة مثالية لنمو البكتيريا والفطريات، مما قد يتسبب في انتشار الأمراض المعدية كالمكورات العنقودية والسل، إضافة إلى تلوث الهواء الداخلي.
كما أن الروائح الكريهة الناتجة عن التحلل قد تؤدي إلى شعور بالغثيان والصداع والدوخة، مما يؤثر على صحة الأفراد الموجودين في المكان. وفي الحالات المتقدمة، قد يتسبب التعرض المستمر لهذه الروائح بمشاكل صحية طويلة الأمد مثل الأمراض التنفسية المزمنة.
تأثير الرطوبة المرتفعة لا يقتصر على صحة الأفراد فحسب، بل يمتد أيضاً إلى الممتلكات، حيث يمكن أن يؤدي إلى تلف الأثاث والجدران. هذا الضرر يمكن أن يعزز من نمو العفن والفطريات، مما يزيد من المخاطر الصحية ويؤدي إلى تدهور جودة الهواء في الغرفة. في النهاية، تشكل مثل هذه الظروف تهديداً كبيراً للصحة العامة وتستدعي تدخلاً سريعاً لإزالة الجثة وتنظيف المكان بشكل شامل لضمان السلامة والوقاية من المخاطر الصحية.
