
ابتداءً من 3 نيسان 2023، تُدفع الرسوم التي تستوفيها نقابة المحامين في بيروت حصراً "بالدولار الأميركي"، ربما كانت هذه العبارة الأكثر تداولاً بين المحامين والموكلين في الأيام القليلة الماضية. يبلغ عدد المعاملات المدرجة في جدول "الدولرة" 30 معاملة، ويحتلّ رسم الحصول على «إفادة مرتبة» الرسم الأقل بقيمة 5 دولارات، يليه رسم «تسجيل وكالة« (الرسم الذي يهم الناس) بقيمة 10 دولارات، وتتصاعد قيمة الرسوم وصولاً إلى الرسم الأعلى في الجدول وهو رسم «انتقال المحامين إلى الجدول العام» وتبلغ قيمته 5000 دولار أميركي.

ماذا بعد الدولرة؟
على الرغم من أن نقابة المحامين في بيروت قد وضعت القرار في إطار الضرورة وهو "خطوة طبيعية تضمن استمرارية عمل النقابة في ظل الدولرة التي طالت مختلف القطاعات في لبنان"، إلّا أنه لاقى انتقادات على مستويين، الأول له علاقة بعمل المحامين الذين عدّوا القرار "مفاجئاً ومربكاً لهم ولعملهم". أما الثاني فله علاقة بالناس الذين ربطوه بحقّهم في التقاضي، "فالقرار يحصر حقّ التقاضي بمن يملك الدولار الأميركي وهذا مخالف لأدنى معايير العدل والإنصاف".
الخطيب: قرار النقابة واقعي
يشرح أمين سر نقابة المحامين في بيروت المحامي سعد الدين وسيم الخطيب الظروف التي رافقت إصدار القرار الذي جاء بعد عدة اجتماعات لمجلس النقابة، "حاولت النقابة بأكثر من وسيلة وطريقة أن تجد حلولاً للإشكالات التي تواجهها، ولكن الارتفاع الهائل لسعر صرف الدولار أجبرها على قرار الدولرة، الذي يُعدّ قراراً غير شعبي، ولكنه واقعي ومنطقي لا يمكن تجنّبه في هذه الظروف الصعبة".
يقول الخطيب إن "التعديلات بالرسوم ليست كبيرة مقارنة بالرسوم التي كانت تدفع بالسابق على سعر صرف 1500 ل.ل، فرسم الوكالة السنوية للشركات كان 100 دولار ولا يزال 100 دولار، ورسم الانتساب إلى النقابة كان 3 ملايين و650 ألف ليرة أي ما يوازي 2450 دولاراً سابقاً وأصبح اليوم 500 دولار، أي لم تتغير الأمور ولكن جرى تحويلها على الدولار لأن التكاليف المترتبة يومياً على النقابة تُدفع بالدولار الأميركي ولا يمكن تحمّلها، من مصاريف المازوت، والطباعة، والأوراق، والصيانة، والكهرباء".
ويتابع: "كذلك بالنسبة للصناديق الاستشفائية، فالمستشفيات لا تقبل الدفع إلا بالـ«فريش دولار»، والأمر ينسحب على المتقاعدين الذين يبلغ عددهم 1300 متقاعد، كانوا يتقاضون مليون ونصف شهرياً، فكيف يمكن زيادة المعاش التقاعدي للمحامين إذا لم تؤمّن النقابة إيرادات ثابتة بالدولار الأميركي، وكيف يمكن للنقابة أن تدفع لموظفيها (140 موظفاً) جزءاً من راتبهم بالدولار الأميركي، إذا لم تتخذ هذا القرار؟"
كما يوضح الخطيب أن "الرسوم التي تمّت دولرتها تغذّي صناديق النقابة الثلاثة، الصندوق التعاوني الذي يُعنى بالاستشفاء والمساعدات الاجتماعية وصندوق التقاعد المرتبط برواتب المتقاعدين وصندوق النقابة الذي يُعنى بمصاريف النقابة والموظفين والصيانة والأمور المرتبطة بذلك". وينتقد الخطيب "التصويب على قرارات نقابة المحامين في بيروت من دون التدقيق فيها ودراستها"، مؤكداً "سعيها للاستمرار في هذه الظروف الصعبة"، وداعياً "من لديه أي طرح آخر لعرضه، ونحن حاضرون للاستماع إليه ومناقشته".
«الدولرة أربكت المحامين»
يجمع عدد من المحامين على أن مهنة المحاماة اليوم تمرّ بمرحلة صعبة، فهل سيكون لقرار الدولرة تأثير على مهنة المحاماة بشكل عام وعلى عمل المحامين وعلاقتهم بموكليهم بشكل خاص؟
"قرار دولرة الرسوم كان مفاجئاً للمحامين في توقيته، وهناك من علم به خلال دفعه للرسوم في قصر العدل، وتسبّب ذلك بإرباك عند المحامين من جهة، وبينهم وبين موكليهم من جهة ثانية" يقول عضو المرصد الشعبي المحامي علي عباس، مشيراً إلى أن "سعر المقاضاة في لبنان هو الأعلى في العالم حالياً، بغض النظر عن دولرة الرسوم، فالرسوم القضائية ارتفعت بطريقة لافتة". ويشرح عباس: "إذا شكوى أو دعوى بدها طابع 1000 ليرة أو 10000 ليرة أو 50 ألف ليرة فهي غير متوفرة، فنضطر أن نضع طابع 100 ألف ليرة لبنانية، يضاف إلى ذلك ارتفاع إجراءات التقاضي لجهة التبليغ، فمن يقوم بالتبليغ يربط ذلك بغلاء البنزين، وإذا بدنا نعيّن جلسة بدنا ندفع إكراميات (كانت موجودة قبل) على العلن للموظفين، فيدفع المحامين مقابل إجراءات روتينية من 3 إلى 4 ملايين ليرة لتيسير الأمور في العدلية".
ويتابع: "المفارقة أن رسم الوكالة 10 دولارات وهناك دعاوى ليس لها قيمة، فيصبح الرسم أكبر من قيمة الدعوى، حينها لن تلجأ الناس إلى المحامي ولن تختار مبدأ التقاضي". ويقول إن "مهنة المحاماة تأثرت كثيراً، إذ اضطر محامون إلى صرف الموظفين في مكاتبهم، في ما اختار آخرون السفر خارج البلاد. أتخوف من أن يؤدّي قرار رَفْع الرسوم إلى نتيجة عكسية وعرقلة مسار التقاضي وتقديم الدعاوى، إذ ستتراجع نسبة الذين سيلجأون إلى القضاء".
رسوم المتدرّجين هي الأكثر..
ثمن الملف لطالب الانتساب يبلغ 100 دولار أميركي، ويبلغ رسم الاشتراك في الاختبار لطالب الانتساب أيضاً 100 دولار أميركي، أما رسم الانتساب كمتدرّج إلى نقابة المحامين فيبلغ 500 دولار أميركي، وفي حال انقطع المتدرّج لأي سبب من الأسباب عن متابعة الأعمال المطلوبة منه خلال فترة التدرّج، يُشطب من جدول المتدرّجين. وفي حال أراد الانتساب مجدداً إلى جدول المتدرّجين، عليه دفع مبلغ 500 دولار أميركي.
ينتقد أحد المحامين المتدرّجين (طالباً عدم ذكر اسمه) دولرة رسوم المتدرّجين بخاصة أن "القسم الأكبر من المتدرّجين لا يتقاضى راتباً يسمح له بدفع هذا المبلغ. إذ يضطر المتدرّج لدفع مبالغ مالية من جيبه الخاص لتخليص الملفات التي يتابعها، كما يتحمّل دفع بدل المواصلات والتنقل عِوضاً عن المكتب الذي يعمل فيه". مشيراً إلى أنه "يُفرض على المتدرّج دفع رسم دعم النادي بقيمة 400 دولار أميركي وهو لا يعرف عنه شيئاً، كما أنه لا يمكن أن يترافع خلال تدرّجه إلا وهو يرتدي «روب المحاماة» والذي يتراوح ثمنه ما بين 40 إلى 50 دولاراً أميركياً".
وتعليقاً على رسوم المتدرّجين، يقول أمين سر نقابة المحامين أن هذه الرسوم ليست مبالغ كبيرة، ويشرح أنه "عندما يدخل المحامي إلى التدرّج على مدى ثلاث سنوات، فهو عملياً يدخل إلى التخصّص في مهنة المحاماة، وهذه ضريبة التخصّص للمتدرّج".
التقاضي لمن يملك الدولار..
"قرار دولرة الرسوم هو خاص بنقابة المحامين في بيروت فقط، ونقابة المحامين في طرابلس لا تزال تتقاضى الرسوم بالليرة اللبنانية، إن التقاضي حصراً بالدولار الأميركي هو مخالفة لقانون النقد والتسليف الذي يمنع التسعير والتعاطي إلا بالعملة الوطنية" تقول المحامية فداء عبد الفتاح تعليقاً على القرار، مؤكدةً "وجود تداعيات له على الناس لجهة اللجوء إلى القضاء".
وتتابع: "قبل قرار الدولرة وبسبب الأزمات المتعدّدة التي يعيشها المواطن في لبنان، يسجل إحجام الناس عن اللجوء إلى القضاء، في مقابل زيادة معدلات الجريمة ومحاولات استيفاء الحقّ بالذات بسبب تراجع الثقة بفكرة التقاضي، إذا بدنا الناس ترجع على القضاء بدنا نعمل إعفاءات مش دولرة للرسوم، وما نترك اللجوء للقضاء حكراً على من يملك الدولار".
من جهتها، تؤكد نائبة رئيس جمعية لجان أهالي الموقوفين رائدة الصلح أن "هذا القرار سيزيد الأعباء على ذوي الموقوفين وسيدفع الكثير منهم للتوقف عن توكيل محامين ممّا سيُعقّد مسألة خلاص الملفات ومتابعة الجلسات وحلّ ملف عدد كبير من الموقوفين، وضع الناس صعب جداً وأولويتهم تأمين الأكل لأولادهم بدلاً من دفع الدولارات للمحامين، وعلى نقابة المحامين أن تراعي هذا الأمر من ناحية إنسانية والتخفيف عن الناس لا أن تزيد معاناتهم".
بدورها، تقول سامية خليل والدة أحد الموقوفين إن "في أيام الدفع بالليرة اللبنانية ما قدرنا نوكل محامي، كيف هلّق، لما المحامي بدو يدفع الرسوم بالدولار للنقابة من وين بدو يجيبن، أكيد من الموكلين، نحنا بالكاد عم نقدر نأمّن أكل وشرب لأولادنا، أجار طريق ما عم بيكون معنا حتى نزورن، ملفات متلتلة بالمحاكم، والقاضي رواق، ناطرين الفرج حتى يبِتّوا بالملفات".
إذا أًصبح حقّ التقاضي بعيد المنال في زمن الدولرة، فكيف الحال بملاحقة المحامي في حال تلكّئه عن القيام بواجباته، إذ إن رسم الشكوى ضد محام بات يكلّف 50 دولاراً أميركياً، فهل هناك من يُقدم على دفع هذا الرسم من أجل تقديم شكوى ضد محام مهما ماطل به.
